کد مطلب:239653 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:138

رسالة نقد، و جوابها
و بعد ... فان سماحة الأخ الجلیل، و الفاضل النبیل، الشیخ عفیف النابلسی حفظه الله، قد تفضل مشكورا برسالة .. أبدی فیها رضاه و اعجابه بالكتاب، ثم فیها الی المآخذ التالیة :

1 - لقد ورد فی ص 133 : أن زبیدة، زوجة الرشید، كانت تتشیع... مع أن سلوكها، و ظروفها، و أجواءها، و أیضا تاریخ أهلها و ذویها - كل ذلك یبعدها كل البعد عن نسبة التشیع لها ؛ لا بمعناه الخاص، و لا العام، الذی یعنی الوقوف مع الامام الكاظم علیه السلام ضد خصومه، و التعاطف معه، و الاستنكار للظلم ..

و ارادة الرشید طلاقها لعله لمضایقتها له، فی محاولاتها منعه من التمتع بحسناوات القصر ... و أما احراق قبرها فهو لعدم تمییز العامة بین قبرها، و بین قبور آل بویه ...

2 - جاء فی ص 133 أیضا : أن نكبة البرامكة یقال : ان سببها هو تشیعهم للعلویین، و هذا لا یتلاءم مع موقف یحیی حینما شكا الی الرشید أمر الكاظم علیه السلام و شحن صدره غیظا علی العلویین، و بالأخص علی الامام الرضا علیه السلام منهم ... مع أن هذا ینافی ما ذكر فی ص 263 من أن البرامكة كانوا أعداء لأهل البیت علیهم السلام ...

3- ما جاء فی هامش ص 355 من عدم الجزم بأن الابیات، التی أولها : ذكروا بطلعتك النبی محمدا الخ ...

هی للبحتری، و قد كان اللازم الجزم بذلك ؛ لانسجام هذه الابیات مع سائر ابیات قصیدة البحتری... هذا بالاضافة الی أن الشاعر یقول: ( حتی انتهیت الی المصلی لابسا) و معلوم أن الامام علیه السلام لم یصل الی المصلی، بل رجع من وسط الطریق... الأمر الذی یدل علی أن الأبیات قد قیلت فی غیر الامام علیه السلام، و قضیة صلاته ...



[ صفحه 440]



أما نحن فنقول :

و نستمیح سماحة الأخ العذر، اذا أشرنا الی مایلی ..

1- أما بالنسبة الی النقطة الأولی، و هی تشیع زبیدة، فاننا نقول: اننا لربما نجدهم فی كتب التاریخ یقولون عن مثل المغیرة بن شعبة، و الاشعث بن قیس و امثالهما ممن بایع علیا علیه السلام فی خلافته، و كذلك كل من ناصر قضایا أهل البیت سیاسیا، و بذل نفسه فی سبیلها : انه من شیعة علی علیه السلام و أهل البیت .... من دون نظر الی سلوكه، و میوله، و عقائده، و مذهبه ... و هذا الاطلاق كان فی الصدر الأول طبعا ... و المقصود منه : أنه من أتباع علی و أهل البیت و انصارهم ...

و اذا تجاوزنا تلك المرحلة ... فاننا لابد و أن نؤكد علی الفرق بین كلمتی «شیعی»، و «تشیع» ... فان «الشیعی» فی اصطلاحهم هو من كان من الامامیة، أو الزیدیة، أو الكیسانیة، أو غیرهم من فرق الشیعة .

و كلمة : «یتشیع»، أو «فیه تشیع» یقصد منها فی كتب المتقدمین من أهل السنة - كما یری العلامة المحقق السید مهدی الروحانی - كل من كان یجب علیا علیه السلام، و أهل بیته الطاهرین، صلوات الله و سلامه علیهم أجمعین ... و نشأت هذه الكلمة علی شكل تهمة و طعن ؛ بتأثیر من الاجهزة الحاكمة، كمعاویة و المروانیین بعده، ثم كل الحكام المعادین لأهل البیت علیهم السلام ؛ فكانت المحبة لأهل البیت - مجرد المحبة - تعد عند الناس أتباع السلطة الحاكمة جریمة كبری، و عظیمة لا تغفر ... قال الكمیت رحمه الله ...



بأی كتاب أم بأیة سنة

تری حبهم عارا علی و تحسب



و طائفة قد كفرتنی بحبكم

و طائفة قالوا مسیی ء و مذنب



یعیبوننی من خبهم و ضلالهم

علی حبكم، بل یسخرون و أعجب



فمحبة آل الرسول كانت فی دولة بنی أمیة تعد تشیعا، استبشاعا لها، و تقبیحا لأمرها، ثم زالت بشاعتها فی عصر بنی العباس لأمور تاریخیة ذات طابع خاص، حتی كان یطلق علی كل من كان من غیر الشیعة كلمة «التشیع» ...



[ صفحه 441]



و لأجل هذا قال ابن الندیم فی الفهرست : ان الامام الشافعی كان شدید التشیع ، و قالوا فی محمد بن جریر الطبری : فیه تشیع یسیر، و موالاة لا تضر ... مع أن من الواضح : انهما لیسا من الشیعة ... و هذا الاطلاق یوجد كثیرا فی كتب التراجم و الرجال فی مقام الجرح و التعدیل ...

و علی كل حال ... فان هذا الفرق بین «الشیعة» و «المتشیعة» قد خفی علی سیدنا آیة الله الامام شرف الدین رحمه الله ؛ حیث انه ... قد ذكر عددا ممن كان فیه «تشیع» فجعلهم من «الشیعة» ...

و لعل الذی أوقعه فی الاشتباه هو أن بعض «أهل الجرح و التعدیل» ممن تغلب علیه نزعة النصب، قد عد جماعة من هؤلاء «المتشیعة» من الروافض، توهینا لنزعتهم، و تسفیها لرأیهم فی محبة علی علیه السلام و أهل بیته الطاهرین .

و هارون الرشید كان ناصبیا، و قد تقدم فی فصل «موقف العباسیین من العلویین » و غیره بعض مواقفه و أفعاله ... فلعله لما رأی حب زوجته لأهل البیت أراد طلاقها ...

و واضح ... أن «التشیع» علی النحو الذی ذكرناه، لا یتنافی، و لا یتعارض مع الاعلان عن مواقف هی ضد الجهة التی یتعاطف معها، بوحی من مصالحه المعیشیة و الأمنیة و نحوها ... كما أنه لا یتنافی، و لا یتعارض مع عدم الالتزام العملی بالتعالیم المذهبیة، بل انه قد یكون مستهترا عملا، و ینتهج سلوكا شاذا، و بعیدا عن روح و تعالیم الدین الحنیف . و مع ذلك یدعی أنه ملتزم بدین، و منتم الی مذهب، شأن الكثیرین من السیاسیین من المعاصرین و غیرهم ... كما أنه لا ملازمة بین التشیع و بین وجوب القیام بقورة مسلحة ضد نظام الحكم القائم ... و علیه ... فتشیع زبیدة ربما یكون مقتصرا علی هذا التعاطف و الحب لأهل البیت، و لا یتنافی ذلك مع ما ذكره سماحة الأخ الكریم .

كما أن من البعید جدا : أن لا یكون قبر زبیدة، أعظم عباسیة فی التاریخ متمیزا، و معروفا لدی الناس، حتی العامة منهم ... كما أن تعلیل طلاقه لها بأنها : كانت تضایقه، و تمنعه من التمتع بحسناوات القصر ، ما هو الا اجتهاد فی مقابل النص !! ...



[ صفحه 442]



2- و أما البرامكة، فان ما ذكره الأخ لم یغب عن بالی وقتها، و هو صحیح مئة بالمئة ... و لكنه لا یعنی أن النص الآخر كذب محض ؛ اذ ربما یكون القصد منه: لیس أنهم كانوا یتشیعون حقیقة، و انما المراد انه: حین رأی الرشید نفوذهم و قوتهم، و خافهم علی الملك، تعلل علیهم بذلك ؛ لیقتلهم، و یتخلص منهم ...

كما أنه لیس من البعید ... أنهم كانوا یجارون التیار، فیتظاهرون بالتشیع للعلویین ؛ لیحافظوا علی مكانتهم فی العامة ... فی نفس الوقت الذی كانوا یتآمرون فیه علی آل علی علیه السلام، و یبغون لهم فی الغوائل، تماما، كما كان المتوكل یكرم الهادی علیه السلام فی الظاهر، و یبغی له الغوائل فی الباطن و الشواهد التاریخیة علی مثل هذا كثیرة جدا ...

3- و أما قضیة الشعر ... فاننا لا نصر علی أنه للبحری ... و ان كنا قد اشرنا الی أن من الجائز أن یكون البحتری قد أخذه علی سبیل الاستشهاد، و التضمین ؛ فان ذلك أمر شائع و معروف بین الشعراء ... كما أننی قد بینت أن من الجائز أن یكون البحتری قد صحف عمدا أو سهوا فصار : البحری ... كما أنه قد یكون العكس هو الصحیح . و أما أنه لم یصل الی المصلی، فان للشاعر ان یدعی ذلك اذا كان الامام (ع) قد قرب منه علی سبیل المبالغة .

و بعد ... فاننا نستمیح الأخ الشیخ العذر، و نسأل الله له دوام التوفیق و التسدید .

جعفر مرتضی الحسینی العاملی ...

22 / 1 / 1400 ه . ق .





[ صفحه 443]